حتما لكل بداية نهاية ولكل شيء قيامته، ولكل واحد منا نهاية خاصة، ولنا كافةً نهاية جامعة، ولكوكبنا المظلوم نهاية محتومة بعد كل هذا الظلم الذي يشهده من عثو للإنسان في الأرض وفسادًا، فبالطبع هو أكثرنا معاناةً، ربما لسوء عاقبته الآن؛ أو حتى مستقبلا، وربما لأنه عاش نهاية أولى لم يعشها الخلق ،الحديث ، فالكون الآن ليس كما كان عليه من قبل، فلقد تبدل هذا العالم بعالم آخر دون سابق إنذار، وشهدت الكرة الأرضية كارثة تُعَدُّ من أضخم كوارث الكون منذ بداية الخليقة... عالم قديم اختفى في ظروف غامضة، ولم يبقَ غير القليل من آثاره الصامدة عبر آلاف السنين في واحدة من أعظم الكوارث الكونية بلا منازع.
صورة تخيلية لطوفان نوح عليه السلام |
الكارثة الكونية (الطوفان العظيم)
اهتزت الأرض اهتزازا مريبًا ،وعنيفًا، ومالت ميلا عظيما، وكأن يدا عظمى هي التي جرفتها عن محورها، رعد وبرق لم تشهد مثله المعمورة، ثم قذفت شلالات من السماء فأخفت معالمها، وبعدها بدأ الغلاف الجوي الأرضي في الاختفاء، ثم انفلقت القشرة الأرضية بسبب الضغوط التي أنهكتها، وبسبب هذا الضغط والتصدع تحررت الأحواض المائية تحت الأرض بسرعة رهيبة، وانفجرت وفجّرت الأرض عيونا والتقى الماء، وحجب البخار الرؤية في كل مكان، الكل يفقه دوره بعدها انطلقت محتويات الأحواض المائية إلى السماء نحو أقصى مدى للغلاف الجوي، ثم عادت إلى الأرض بشكل انزلاقي مريب ومهيب، على صورة أمطار بل شلالات تغطي الكوكب كله، ثم زاد منسوب المياه عن سطح الأرض، فبدأت التفجيرات البركانية العملاقة في تدمير بالكامل – على حد رأي عمومية الطوفان - فانزلقت وانجرفت قِطَع من اليابسة حاملة سكان الأرض نحو البحر مع إحداث هزة مرعبة عند قذف كل قطعة وانجرافها في الماء.
كل شيء يعلم دوره، وكأنه عقاب مبين.
لم تحتمل الأرض ما أصابها من سوء، فتبعثرت وتمخمضت، وانتابها اضطراب شامل، وتبعثرها محا معالمها، فاختلطت القارات بالبحار.
ثم جاءت الموجة الأخرى من الكارثة، والتي خلفتها تلك التغييرات، فهذه التغييرات قد ساعدت على اندفاع موجات المد، مما ساهم في وجود إعصار مدمر بلغ ارتفاعه ٦٠٠٠ قدم!
زحف الإعصار وكأنه يبتلع ما تبقى، وحينها جاء دور تفاعل الحمم البركانية والغازات الخانقة والسامة للقضاء على ما تبقى من شكل الحياة على الأرض، لتعلن الأرض استسلامها في سيناريو متقن ومرتب بإحكام. كانت سفينتهم جارية تعبيرًا عن جريانها فوق الماء بشكل سريع.
وقال قتادة : إن الله قد أرسل المطر أربعين يومًا، وقال آخرون إنهم ركبوا في السفينة في اليوم العاشر من شهر رجب، وأبحروا بها لمدة مائة وخمسين ليلة ثم توقفت بهم على جبل «الجودي» شهرًا كاملا، وقال آخرون: إن نوح ومن آمنوا معه ركبوا السفينة لمدة عشر ليال منذ نهاية شهر رجب وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، وأقوالاً أخرى لا فرق بين ذكرها أو لا، مأخوذة من أهل الكتاب باعتراف المؤرخين المسلمين، لأنه لم يرد في ذلك خبر في القرآن أو السنة النبوية.
إرتفاع الماء يفوق الجبال |
وقال المفسرون أيضًا نقلًا عن أهل الكتاب: إنه قد ارتفع الماء على أعلى جبل في الأرض قيل : خمس عشرة ذراعا، وقيل ثمانين والله أعلم، وقد عم جميع الأرض سهلها وحزنها وجبالها وقفارها، فلم يبق على وجه الأرض أي شخص لم يعبد الله – على حد تفسير علماء الأديان الثلاثة - وقالوا إن السفينة قد طافت بالأرض كلها دون استقرار حتى أتت الحرم فدارت حوله أسبوعًا، ثم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى جبل الجودي (يُعتقد أنه جبل كاردو بتركيا) فاستقرت عليه، وقيل إن نوح قد حمل جسد آدم علیه السلام معه على السفينة.
ويذكر - القرآن - أن رحلة السفينة توقفت بعدما غاض الماء ونقص، وظهر ضوء الشمس بعد غياب طويل؛ فهبط نوح ومن معه من السفينة التي استقرت بعد سيرها وبدأوا حياةً جديدةً، ولحكمة لا يعلمها إلا الخالق انقرض نسل أهل السفينة ما عدا أولاد نوح الثلاثة، فيعتقد – علماء الأديان الثلاثة - أن الناس كلهم من أولاد نوح، ولم يُجعل لأحد ممن كان معه من المؤمنين نسل ولا عقب، حيث جعل الله ذُريَّة نوح وأولاده هم الباقين،"وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُوَ الْبَاقِينَ"، فكل من على وجه الأرض اليوم من سائر أجناس بني آدم يُنسبون إلى أولاد نوح الثلاثة، 《سام》و 《حام》 و 《يافث》، وبعد بداية الحياة الجديدة، جعل الله السفينة باقية لفترة من الزمن لتكون آيةً للناس، "فَأَنجَيْنَهُ وَأَصْحَبَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَهَا ءَايَةً لِلْعَالَمِينَ" .
نهاية الرحلة
لم يوضح القرآن الكريم المكان الذي حدث فيه الطوفان بالضبط، ولا حتى المكان الذي سكن فيه الناجون من السفينة بعد واقعة الطوفان فترك المجال للعلماء والباحثين في الاجتهاد والبحث عن المكان، فمنهم من اجتهد وبحث في الأمر بشكل علمي خاضع لمعايير البحث ومنهم من تأثر بالروايات والأساطير ومنهم من نقل بشكل حرفي عن كتبة أهل الكتاب.
وورد أن الله عز وجل أنزل وحيه إلى نبيه نوح عليه السلام ليطمئنه بأن الطوفان لن يُعاد على الأرض مجددًا، وأن يُعمر الحياة الجديدة ويعلمهم تعاليم السماء على الحق والإسلام.