هل إدريس قبل نوح عليهما السلام أم لا؟
بعيدا عن أن النبي «إدريس» هو نفسه النبي «إلياس» أم لا، تكمن إشكالية أخرى في عدم اقتناع العديد من العلماء المسلمين بأن «إدريس» كان قبل نوح رغم اقتناعهم بأن إدريس وإلياس اثنان وليسا شخصا واحدًا، وكذلك لم يقتنعوا بأن (شيث كان نبيًا، بل يرون أنه رجلٌ صالح، ورث العبادة والتقوى عن أبيه «آدم» عليهما السلام)، أي أنهم يُكَوِّنون رأيًا آخر ملخصه أن (شيث ليس نبيًّا فلا أنبياء قبل «نوح»، وأن «إدريس» نبيا لكنه جاء بعد «نوح» عليهم جميعًا السلام).
وقد نُقل ذلك عن علماء كثيرين، واستندوا لقول الله تعالى في القرآن الكريم في سورة البقره ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾، وقالوا إن أول نبي بُعِث هو «نوح» عليه السلام، وقالوا إن المؤرخين وقعوا في خطأ كبير بقولهم إن «إدريس» جاء كان قبل «نوح»، واستدلوا بما ورد في القرآن الكريم في سورة النساء ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّنَ مِنْ بَعْدِهِ﴾، حيث تنص الآية صراحةً بأن النبيين جاءوا من بعد نوح بنص القرآن واستدلوا بما ورد في الحديث الصحيح في قصة الشفاعة: جاء في صحيح البخاري (عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه، أن رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أُتِيَ بلَحمٍ، فرُفِعَ إليه الذِّراعُ وكانت تُعجِبُه، فنَهسَ منها نَهسةً، فقال: أنا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القيامةِ، وهَل تَدرونَ بمَ ذاك؟ يجَمَعُ اللهُ يَومَ القيامةِ الأوَّلينَ والآخِرينَ في صَعيدٍ واحِدٍ، فيُسمِعُهمُ الدَّاعي، ويَنفُذُهمُ البَصَرُ ، وتَدنو الشَّمسُ فيَبلُغُ النَّاسَ من الغَمِّ والكَربِ ما لا يُطيقونَ وما لا يَحتَمِلونَ، فيَقولُ بَعضُ النَّاسِ لبَعضٍ: ألا تَرَونَ ما أنتم فيه، ألا تَرَونَ ما قد بَلَغَكم، ألَا تَنظُرونَ مَن يَشفَعُ لَكم إلى رَبِّكم؟ فيَقولُ بَعضُ النَّاسِ لبَعضٍ: ائتُوا آدَمَ، فيَأتون آدَمَ فيَقولونَ: يا آدَمُ أنتَ أبو البَشَرِ، خَلقَك اللهُ بيدِه ونَفخَ فيك من رُوحِه وأمرَ المَلائِكةَ فسَجَدوا لَك، اشفَعْ لَنا إلى رَبِّك، ألا تَرى ما نَحنُ فيه، ألا تَرى ما قد بَلَغَنا؟ فيَقولُ آدَمُ: إنَّ رَبي غَضِبَ اليَومَ غَضبًا لم يَغضَبْ قَبْلَه مِثلَه ولَن يَغضَبَ بَعدَه مِثلَه، وإنَّه نَهاني عن الشَّجَرةِ فعَصَيتُه. نَفسي نَفسي، اذهَبوا إلى غَيري، اذهَبوا إلى نوحٍ. فيَأتون نوحًا عليه السَّلامُ فيَقولونَ: يا نوحُ، أنتَ أوَّلُ الرُّسُلِ إلى الأرضِ وسَمَّاك اللهُ عَبدًا شَكُورًا، اشفَعْ لَنا إلى رَبِّكَ، ألَا تَرى ما نَحنُ فيه .... الى آخر الحديث).
وقد ذكر في هذا الحديث أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له: أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، وتم تفسير الآية القرآنية في سورة الحديد ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَبَ﴾ بأنه لا شك في أن إدريس كان نبيًّا بجَزْمِ النَّص القرآني في سورة مريم ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَبِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِيقَا نَبَيَا﴾، ولكن في الآية السابقة تأكيد بأن النبوة والكتاب من ذُرية نوح وإبراهيم، أي أن إدريس من ذريتهما، واستندوا كذلك إلى قول الله تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَبِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيَا﴾ ، ثم عقب الله على ذلك بعدها بقوله : ﴿أَوْلَيْكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَاءِ يلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِم ، ايآتُ الرَّحْمَنِ خَرُوا سُجَّدًا وَبُكِيا﴾، واستدلوا بأن هذا أكبر برهان ال على أن إدريس جاء بعد نوح وإبراهيم، وأن هذا واضحًا في لفظ «أولئك» المحدد، وفي آيات أخرى عديدة نرى ذكر نوح قبل كل الرُّسل دائماً، أما إدريس فلم يُذكَر ولو لمرة واحدة بالقبلية وهذه وجهة نظرهم كاملة.